سرور مشوب بشكوك - د. أيمن الجندي




دخول الثوار طرابلس نبأٌ كان لابد أن يفرحنى. سقط الطاغية المجنون الذى أهدر مئات المليارات من قوت شعبه. لكنى برغم ذلك عاجز عن أن أفرح. أو قل هو سرور مشوب بشكوك! ثمة شىء يثير الريب فيما يسمى «الربيع العربى». هل ما يحدث مجرد إرادة شعبية؟ أم هو شىء يُراد بالمنطقة؟!
دعنا نتذكر ما حدث. فى البدء صفعت شرطية شاباً تونسياً كادحاً. فشل فى رفع شكواه للمسؤولين. فأحس بالعجز وانعدام الأمل. سكب البنزين على جسده وأحرق نفسه. استفز الحادث مشاعر الأحرار الذين ضاقوا بالفساد المحلى. اندلعت المظاهرات، ثم ما لبثت أن تأججت. وفجأة فى مساء يوم واحد رأينا بن على يركب طائرته ويرحل. قِيل إن أعصابه اهتزت حينما أخبره قائد الجيش بأنه لا يضمن سلامته .. .. .. .. .. 


فى مصر لم يكن .. .. .. .. .. .أحد يتوقع ما حدث. مظاهرات محدودة أمكن السيطرة عليها فى خمسة وعشرين يناير. فلماذا استيقظنا صباح ثمانية وعشرين يناير على قطع الاتصالات!
وهو إجراء غير مسبوق فى بلادنا! ما الذى جعلهم يتوجسون من مظاهرات لا يمكن السيطرة عليها؟ وما هى المعلومات التى أُتيحت لهم؟.
سقط النظام فى غضون ساعات كأنه قصر من رمال يشيده طفل على شاطئ بحر، اكتسحته موجة عاتية.
اندلعت الثورة بعدها فى ليبيا وسوريا واليمن. على صالح يُدك بالمدافع فيُصاب وينقل خارج البلد. المذابح تترى فى الشام والأسد يترنح. طرابلس تسقط فى ليلة واحدة. هل هى قطع دومينو تتهاوى؟ تتساقط بلمسة واحدة؟ هل إرادة الشعوب فى إسقاط الأنظمة تكفى لتفسير ما حدث؟ معروف أن الشعوب العربية مقهورة، وأنها تتمنى أن تتخلص من الحكام، وكما قال الشاعر من قبل: (ونصف الناس كارهون لمن ولى الأحكام، هذا إذا عدل!).


هل تجاملنا الحياة إلى هذا الحد؟. هب أنك استيقظت من نومك فوجدت أسرتك - على غير العادة - تعتنى بك وتدللك. ثم خرجت من بيتك فوجدتهم قد زرعوا الزهور تحت شرفتك، ورصفوا الشارع من أجلك واعتنوا برفاهيتك. ثم وجدت سيارة فاخرة تنتظرك. ثم جاءك من يخبرك بأنك ترقيت فى عملك، وربحت ملايين الجنيهات بلا سبب. ومع كل سرور كنتَ تفرح وتبتهج. ثم فجأة شعرتَ بالارتياب، إن الحياة لا تجامل أحدا بهذه الطريقة: إما أنك تحلم أو أن شيئا يُراد بك.


إن هبة الشعوب حقيقة لا شك فيها. لكن معروف أن جيوش الساخطين كانت تفصلها عن الحكام حواجز، فهل هناك من أزاح الحواجز خفيةً ليُسهل للساخطين الاقتحام! وفى الوقت نفسه يتصورون أن الفعل فعلهم. أقرب مثال يحضرنى هو خالد الإسلامبولى الذى قتل السادات. لا ريب أنه كان عقائديا مخلصا، لكن هذا لا يمنع احتمال أن يكون هناك من غض الطرف وسهل الطريق إلى السادات، لأسباب تخصه هو.
هذا هو بيت القصيد. إذا كان هناك من يمهد خفيةً لثورات الشعوب، فما هى الأسباب التى تخصه؟ وما هو الشىء الغامض المخيف الذى يُراد بالمنطقة؟!



المصدر : المصري اليوم