
سافر إلى تركيا ثم عاد بوجه ضحوك وملابس فاخرة. تابعه بعين لا تخلو من الحسد، ونفس تتوق إلى النعمة. تودد إليه ثم سأله عن الحكاية، فنظر إليه فى إمعان.
الأمر قطعا غير قانونى. ولكن إلى أى مدى؟ هل سرق مثلا؟ أصلاً عملهم قليل القيمة لا يوجد فيه مجال للرشوة أو الاختلاس!
غادر سامى مكتب الطيران................
وفى يده جواز السفر عليه التأشيرة وتذكرة الطيران. لأول مرة يمسك بأوراق النقد الأجنبى اللعوب الخضراء. لأول مرة يغض البصر أمام عينى أمه وهى تدعو له بعد الصلاة. يلوم ذاته ثم يثور على نفسه. قمة النجاح يا سامى أن تُسلّم بالهزيمة. أن تسقط ثم لا تجلد ذاتك. أن تكف عن أوهامك القديمة. الشرف! اللقمة الحلال! البركة فى الرزق القليل! كلها أكاذيب اخترعوها ليبرروا ضعفهم عن انتهاز الفرص.
والفرصة لا تأتى فى العمر إلا مرة واحدة. سوف تذهب إلى تركيا يا سامى. تمتع بوقتك وتسوّق على راحتك. فقط سنسلمك هناك حقيبة صغيرة، كل مهمتك أن تدخلها البلاد. المحتوى ليس من شأنك. فليكن بها هيروين أو سمّ أزرق. لا خطر عليك البتة. سجلك نظيف ووجهك غير معروف لرجال المباحث. هذه عملية «المرة الواحدة». سوف تمر بمنتهى البساطة، بعدها تتقاضى مبلغاً دسماً تبدأ به مشروعك الخاص.
كان سامى يسير فى الشارع المزدحم، منهمكاً فى أفكاره الخاصة. وفجأة انتبه إلى طفلة صغيرة تُفلت من يد أمها وتندفع إلى الشارع. وكانت هناك سيارة مسرعة قدّر أنها ستدهمها حتما. لم يفكر سامى لحظة بل اندفع مغامراً بحياته ليجذب الطفلة وتصدمه السيارة برفرفها، فيرتطم بجانب الرصيف. تجمع المارة، واحتضنت الأم طفلتها وراحت تبكى. ساعده المارة على النهوض، ضلوعه تؤلمه بشدة ولكنه يعلم أنه سليم. حاولت الأم أن تشكره بحرارة لكنه انصرف بسرعة مُشتّت الفكر مُبعثر الوجدان. كان بحاجة شديدة لأن ينفرد بنفسه ويعيد التفكير فيما جرى. راح ينظر فى شرود إلى السيارات المتلاحقة والناس البسطاء الطيبين. لقد قام ببطولة لاشك فيها وجازف بحياته، فهل يجوز أن يُهرِّب بعدها المخدرات؟!.
راح يتأمل نفسه على ضوء هذه الحقيقة الجديدة، فشاهد أمه بوضوح وهى ترفع وجهها المُؤطر بطرحة الصلاة، وتدعو له بحرارة أن يجنبه الله شرّ أولاد الحرام. نظر إلى جواز السفر فى هلع، وتذكرة الطيران فى استنكار.
وأحس بأوراق النقد الأجنبى تلسعه كالنار. وداهمه إحساس مفاجئ بأن الطفلة هى التى أنقذته وليس العكس. قال بصوت مرتفع: «تعبك لم يضع هباء يا أمى»، ثم سار فى خطوات سريعة مُصممة إلى مبنى مكافحة المخدرات.
المصدر: المصري اليوم