
الأسماك الأبيض والأسود مثلنا للأكل، لكن الأسماك الملونة مثلهم للزينة، لذلك فإن التدين المزيف يؤدى إلى التخلف الحقيقى، وأول مرة ترى فيها من يخلط لك الأرض بالسماء هى آخر مرة ترى فيها «محفظتك»، فالنشل فى السياسة مثل النشل فى الأتوبيس.. هو يعطيك جوال أرز ليأخذ منك فيما بعد حقلك.. ومجتمعنا هو أفضل مصنع لإنتاج الطغاة.. فى المدرسة، «الناظر» هو الديكتاتور الأعظم، وفى البيت، «الأب» هو الطاغية، وإذا مات الناظر يبقى المدير، وإذا مات الأب يبقى الكبير، فليس بيننا وبين الحاكم «عقد اجتماعى»، بل هو دائماً «عقد إذعان»، لأن من يتربى على «السمع والطاعة» تكبر أذناه وتتضخم ذراعه وتتحول إلى الذراع السياسى لكن يتعطل «مخه»..
وتأمل حضرتك الفرحة والشماتة التى أظهرها التيار المستغل للدين تجاه «البرادعى» لتعرف موقفهم الحقيقى من الحرية، فالشىء يُعرف بضده. وقال أحد قادتهم «لن نهتف له بالروح والدم ليعود»، مخالفاً بذلك وصية مؤسس الجماعة التى قالها يوم إعلانها «وهذا مثبت تاريخياً» فقد أوصى وقال «لا تضحك» بديلاً عن الوصية التى تقول «لا تكذب»..
الدولة المدنية ذات المرجعية الدينية هى أن يكون عندنا «رئيس» اسمه «خليفة».. ويبقى الحال على ما هو عليه، فما نعيشه الآن هو مرحلة تغيير «التيكيت» على نفس البضاعة، فالفائدة هى المرابحة، وبيت المال هو البنك المركزى، والحزب هو الجماعة هو الجمعية هو الشركات العابرة للقارات حيث المركز العالمى للجماعة، وأمريكا هى التى قالت «كلهم أولادى» على لسان «آرثر ميللر» زوج «مارلين مونرو» ونسيب وقريب عائلات المصالح الرأسمالية المشتركة.. ولا عزاء للسيدات بحكم السياسة ولا للفقراء بحكم الاقتصاد، وتبدأ الديكتاتورية كخيوط العنكبوت بالتصريحات ثم تنتهى كالحبال بالمعتقلات ولو أن أحداً أخذ كتاب «كفاحى» لهتلر مأخذ الجد ما احترق العالم.
ومرحلة تغيير «التيكيت» خلطة غريبة لا تحمى الوطن لكنها تحمى على الصدر فالذين جاءوا عن طريق الديمقراطية بالمفهوم الغربى يريدون أن يطبقوها بالمفهوم الشرقى كمن يلبس صيفى ويتصرف شتوى.. وأشهد الله أن ما وجدته فى معارضة «مبارك» عشر سنوات وهو فى الحكم يتضاءل بجانب ما أجده من انتقاد «التيار الدينى» عشرة شهور وهو خارج الحكم.. فهل تختبئ العمامة تحت الكاب؟..
ويا أستاذ «شفيق» اتنين طيارين ورا بعض كتير لأن ضربتين جويتين فى الراس توجع فقد قضى الأمر وذهب «زيد» وجاء «عمرو» والضحية دائماً هو «زينهم».. وكان المرحوم «أنور السادات» غاوى يجيب لواء بالملابس الرسمية يعدل ويهيئ له الكرسى وأنا لا أعرف أين ذهب هذا اللواء لكننى أعرف أين ذهب هذا الكرسى، فهل مازال اللواءات يهيئون الكراسى للرؤساء؟!
ذهبت ديكتاتورية الحزب وجاء طغيان الجماعة ومرحلة تغيير «التيكيت» تخضع لقانون الغش السياسى الذى لا يفرق بين (أعطنى محفظتك حتى لا تدخل السجن) و(أعطنى محفظتك حتى لا تدخل النار)، وكلما طالبنا بتغيير دستور أو قانون أو مسؤول غيروا «التيكيت» فأرجوك «تيكيت إيزى».. هذا الوطن الذى يغيرون فيه «التيكيت» عكس الملابس فهو يتسع للكبار ويضيق على الصغار، نريد وطناً «All Size».
فليس العيب فى الجماعة التى تسمع ولكن العيب فى المجتمع الذى يسمح.. والسماء أصفى من ماء الغدير والأرض مليئة بماء البرك، لكنها الانتهازية اللعينة.. وتأمل حضرتك تحالفاتهم التى بدأت مع الملوك لضرب حزب الأغلبية وانتهت مع اللواءات ليصبحوا هم حزب الأغلبية.. وليس عيباً أن تضع «الجماعة» حزباً يعشق «رأس المال»، لكن العيب أن تعشق فصل «الرأس» عن «المال».. وحبيتك بالصيف أحببتنى بالسيف.. انتهى فيلم الحب وبدأ فيلم الرعب.. وظهور البوليس بكثافة يؤكد أننا فى نهاية الفيلم.. لكن لماذا بعد كل قيصر يموت يأتى قيصر جديد؟!..
طبعاً بسبب «الناظر» و«الأب»، وكل من يضع «طوبة» فى مصنع الطغاة.. تشهد مصر حركة عمران مبانى مخالف للقانون وحركة عمران سياسى مخالف للضمير، مما يجعل الثوار فى السجون والبلطجية يمرحون.. ويقول «سقراط» إن (الجهل هو أبوالشرور)، فهل عرفت الآن عنوان المصنع الذى يعيد إنتاج الطغاة؟.. الديكتاتور قبل أن يجلس فى القصر يتربع أولاً فى عقولنا وقلوبنا ونفوسنا داخل البيت وداخل المدرسة، لذلك تظل الأسماك الأبيض والأسود للأكل، لكن الأسماك الملونة للزينة.. فإلى اللقاء مع طاغية جديد.