ظهر فجأة ولأسباب مجهولة .. وغير مقبولة ولا معقولة، وفى قلب جامعة الأزهر!!
ظهر على مسرح هذه الجامعة كل من:
المفتش توركو يمادا .. والمفتش سيزنيوس .. والمفتش فلوير تيو .. والمفتش مازيكى.
أما لماذا ظهروا فلمحاكمة الفيلسوف والمفكر المسلم )رجاء جارودى) بتهمة التجديف والهرطقة، وإعلان ردته وكفره إلى عموم المسلمين فى الدنيا والآخرة!!
إن الأسماء التى ذكرتها آنفًا هى أسماء (قضاة التفتيش( الذين حكموا بإبادة المسلمين فى بلاد الأندلس! غير أنهم كانوا – هذه المرة – من أصحاب العمائم لا من أصحاب القلانس!!!
وظهروا فى نهاية القرن العشرين لا فى القرن الخامس عشر .. وفى قلب جامعة الأزهر .. لا فى أشبيلية، ولا قرطبة!! ولمحاكمة المفكر المسلم )رجاء جارودى( لا محاكمة أبى جهل، أو محاكمة أبى لهب!!!
أما لماذا عقدت هذه المحكمة؟
فسر لا يزال مجهولاً حتى هذه اللحظة .. وإن لم يكن غامضًا ولا مجهولاً عند أهل الذكاء والفطنة!!!
تعالوا – معًا – نتابع أحداث هذه المحاكمة .. ووقائعها المثيرة للعجب والدهشة..
قال أولهم: وهو شيخ ودكتور كبير!!
قال: إن SجارودىR مسلم .. ومسيحى .. وماركسى .. مرة واحدة!
والسؤال إلى الشيخ الدكتور:
كيف يلتقى التثليث بالتوحيد؟ أم كيف يلتقى الإلحاد والإيمان؟
أم كيف يتصور رجل فى حجم SجارودىR يقول فى وقت واحد هناك إله وليس هناك إله؟! أو هناك إله واحد، وهناك ثلاثة آلهة؟ أو ليس هناك إله على الإطلاق؟!!
هذا كلام لـه خبىء
معناه ليس لنا عقول!!
وأسأل الشيخ الدكتور:
فى عهد الرئيس الراحل (جمال عبد الناصر) صدر ميثاق العمل الوطنى .. وهذا الميثاق كما هو معروف، وكما قال الرئيس: يعتمد (الاشتراكية العلمية) منهجًا للتحول الاجتماعى، والاشتراكية العلمية – كما هو معروف – هى الماركسية!!
وقد فرض تدريس هذا الميثاق على طلبة الأزهر، وسارع كبار شيوخه – فى هذا الوقت – إلى الترحيب بهذا الميثاق كأنه وحى أنزل([1])!
فلماذا لم يتهم هؤلاء الشيوخ الكبار بالردة، والخروج من دائرة الدين والملة؟!!
الأزهر يكرم عدوَّا للإسلام
وأعود لأسأل الشيخ الدكتور مرة ثانية:
هل تذكر رئيس أندونيسيا السابق (أحمد سوكارنو)؟ بالتأكيد تعرفه.
(سوكارنو) هذا صنع (دينًا جديدًا) للشعب الأندونيسى المسلم أطلق عليه اسم (الفنشا سيلا)، وكان دينًا يجمع بين الإسلام، والمسيحية، والشيوعية، والهندوكية!!!
وحين ثار الشعب الأندونيسى ضد هذه الهرطقة وهذا الكفر ملئت السجون بعشرات الألوف، وقتل الكثيرون بأفواه البنادق .. ووضع الزعيم المسلم الدكتور محمد ناصر وإخوانه فى قبو تحت الأرض!!
فماذا كان موقف الأزهر من سوكارنو؟
لقد منحه الأزهر درجة الدكتوراه الفخرية، وقال الأزهر فى حيثيات منحه هذه الشهادة:
إن الأزهر باستقبال فخامتكم اليوم إنما يستقبل قائدًا عظيمًا من قواد حركات التحرر فى البلاد الإسلامية، يستقبل زعيمًا تمرس فى الكفاح من أجل حرية بلاده واستعذب العذاب من أجل سيادة أمته، واستطاب السجن والنفى والمشاق فى سبيل تكوين شعبه واستقلاله وحياته الكريمة!!
يستقبل الأزهر فخامتكم اليوم مسجلاً تاريخكم المجيد منذ نشأتكم، وفى شبابكم حتى وقتكم الحاضر .. وهو تاريخ ملىء بالأحداث الكبرى، أحداث المجد والعظمة التى ترتبط بعظمة أمة إسلامية كبرى، وبفك أسرها من قيود الاستعمار الأجنبى، وبتمكين أبنائها من الحياة الإنسانية الكريمة، وهى حياة الإيمان، والحرية، والعلم والمعرفة، والعمل الصالح المثمر المعمر.
وقد أراد الأزهر أن يعبر عن تقديره لكفاحكم المجيد، فقرر مجلسه الأعلى فى جلسته المنعقدة فى السادس والعشرين من شوال سنة 1379ﻫ الموافق الواحد والعشرين من أبريل سنة 1960م، أن يمنح سيادتكم شهادة العالمية الفخرية من درجة أستاذ فى الفلسفة؛ ليرى فيكم ابنًا من أبنائه، وعنصرًا من عناصره العاملة المجاهدة!!
وقد كان لمنح الأزهر (سوكارنو) هذه الشهادة وقع الصاعقة على مسلمى أندونيسيا .. بل على جميع المسلمين فى الشرق الأوسط والشرق الأقصى!!.
الأزهر يصلى صلاة الغائب على ملحد
وأسأل مرة ثالثة الشيخ الدكتور:
فى عهد وزير الأوقاف وشئون الأزهر الأسبق([2]) أقيمت صلاة الغائب على (باتريس لومومبا) رئيس جمهورية الكنغو الأسبق، وبأمر من الوزير الأزهرى!
هل يعلم الشيخ الدكتور من كان لومومبا؟
(لومومبا) هذا كان شيوعيًّا قحًا، ولأنه كان كذلك فقد خلد الاتحاد السوفييتى الهالك! ذكراه بإطلاق اسمه على جامعة فى موسكو!!
فكيف بالله أقيمت الصلاة على ملحد .. بل كيف سكت الجميع فى الأزهر، وفى الأوقاف ولم ينطق منهم أحد؟!!
وأسأل الشيخ الدكتور وللمرة الرابعة:
هل سمعت بما كتبه .. رئيس تحرير مجلة الأزهر .. لقد كتب يقول تحت عنوان (أمة التوحيد تتوحد)([3]):
(إن الوحدة المحمدية كانت كلية عامة؛ لأنها قامت على العقيدة ولكن العقيدة مهما تدم قد تضعف أو تحول، وأن الوحدة الصلاحية كانت جزئية خاصة؛ لأنها قامت على السلطان، والسلطان يعتريه الوهن فيزول.
أما الوحدة الناصرية فباقية نامية؛ لأنها تقوم على الاشتراكية فى الرزق .. والحرية فى الرأى .. والديمقراطية فى الحكم .. وهذه المقومات الثلاثة ضمان دائم للوحدة)!!
هل يصدق أحد صدور مثل هذا الكلام من مسلم؟
وهل يتصور عاقل أو حتى مجنون أن يكتب هذا فى مجلة الأزهر؟
والأعجب من هذا كله .. إن الأزهر لم ينطق بكلمة أو يتحرك!!!
لقد ضج العالم الإسلامى من هول الصدمة، وانبرى العلماء والمفكرون يسفهون هذا المقال وصاحبه فى جميع أنحاء الدنيا..
يقول علامة المسلمين فى الهند Sأبو الحسن الندوىR فى تعليقه على مقال رئيس تحرير مجلة الأزهر:
اجتمع فريق من الشباب والشعراء فى فندق SالعربR فى لاهور مرة، وكان فى الجماعة شباب شيوعيون فى غاية من الذكاء وسلاطة اللسان، وتجاذبوا مع الأستاذ Sاختر الشيرانىR أطراف الحديث، وصاروا يتناقشون معه فى موضوعات شتى.
وكان الأستاذ الشيرانى قد شرب كأسين من الخمر، وقد فقد رشده وملكته نشوة الخمر، وأخذته رعشة فى الجسم، وكان يتكلم كلامًا متقطعًا غير متزن، وكان معروفًا بالإعجاب الشديد بنفسه والتيه بها، وكان لا يعترف بغيره من الشعراء.
ولست أذكر اليوم جيدًا الموضوع الذى كان يدور البحث فيه، ولكن أذكر أنه قال: قد ظهر فى المسلمين ثلاثة نوابغ عبقريين، أولهم: أبو الفضل([4])، والثانى: أسد الله خان غالب([5])، والثالث: أبو الكلام أزاد([6])، أما الشعراء المعاصرون فكان لا يعترف لأحد منهم بالمساواة أو المجاراة، وقد سأله الشباب الشيوعيون عن الشاعر الكبير (فيض أحمد فيض) فأعرض عن الجواب، وسألوه عن (شبير حسن جوش) الشاعر المعروف فقال: ليس بشاعر إنما هو ناظم.
أ. د. عبد الودود شلبى
.................
([1]) انظر فى هذا الموضوع:
(أ) الاشتراكية العربية – دكتور محمد البهى – مطبعة الأزهر.
(ب) القيم الروحية فى الميثاق – دكتور محمد بيصار.
([6]) العالم الأديب المعروف، رئيس المؤتمر الهندى الوطنى الأسبق، ووزير المعارف فى الجمهورية الهندية سابقًا.
source : Islamwatan