هل نحن بحاجـة إلى الصوفيـة ؟ - د.أيمـن الـجنـدي

 

السؤال الذى يفرض نفسه: هل نحن بحاجة أصلا للصوفية! وهل خسرنا باضمحلالها؟ أم أن الأفضل- كما تنصح السلفية- أن نهملها تماما، ونعتبرها غير موجودة، ونهيل عليها التراب!؟
لو اتفقت معى أننا نهتم بالعالم المادى أكثر مما نهتم بنفوسنا، برغم أننا نتلقى هذا العالم المادى من خلال نفوسنا، (ومن يك ذا فم مريض/ يجد مراً به الماءَ الزلالَ!)- فسرعان ما ستدرك أن العالم بحاجة إلى الصوفية لاستعادة......
السكينة المفقودة.
اشحذ ذاكرتك وحاول أن تتذكر معى: كم من فتاة فى مقتبل العمر تشعر بالحيرة تجاه المستقبل، وتحاول أن تتلمس دربها! كم من شاب يريد أن يفهم لماذا تعانده الدنيا؟ كم من رجل يدهشه أنه ليس سعيدا برغم أنه حقق نجاحه! كم من كهل يحاول أن يفهم لغز الحياة قبل أن يفارقها! كم من امرأة هجرها زوجها ولا تفهم لماذا انهار المعبد على رأسها! كم من حيارى يلتمسون النجاة بكلمة تهديهم إلى الحكمة!.
آه ما أكثر ما خسره العالم بانحطاط المسلمين! وما أكثر ما خسره المسلمون بانحطاط الصوفية! كم من قلوب ضالة ونفوس حيرى وأرواح معذبة! الكل يبحث عن السكينة، عن الحقيقة المختبئة خلف حجاب الزينة، عن الحكمة المضنون بها على غير أهلها، عن الجمال الحقيقى، عن تنقية الشوائب وتصفية القلوب وإدراج الأرواح فى مسالك الأفراح.
كان بوسع الصوفية أن تفعل ذلك وأكثر. ولم لا وقد نشأت فى الأصل كحركة احتجاج صامتة فى وجه التكالب الدنيوى! ولم لا وهى النزوع الإنسانى الأصيل الموجود فى كل الحضارات القديمة! ولم لا وهى التعمق فى الجانب الروحى والتأمل فى الحياة كى نصل إلى ما فوق الحياة! ولم لا وقد نشأت فى الأصل على يد أقوام اختاروا الفقر ليصلوا إلى الغنى! واختاروا الذل لكى يصلوا إلى العز! والعطش ليرتووا من ينبوع الماء الربانى!
ما الذى ينقصنا- كمسلمين- لنهدى العالم السكينة التى يفتقدها؟ نحمل التوحيد فى يد، ومكارم الأخلاق فى يد. الموت أمامنا يُنبئ عن السر الأعظم، وخلفنا تراث الشرق فى التأمل والحكمة. كان بوسع الصوفيين أن يكونوا ملجأ المضطرين وملاذ الحائرين وراحة المُتعبين المعذبين! أن يأتيهم العالم جاثيا على ركبتيه، ليساعدوه على مساعدة نفسه بنفسه، علّه يأخذ قسطا من الراحة قبل أن يغادر هذه الدنيا المُتعبة، لكنهم اختاروا النصيب الأبأس: الدجل والخرافة والموالد وخوارق العادات وكرامات الشيوخ.
نحن فى انتظار حركة إصلاح للصوفية، يقوم بها مجدد صوفى، حكيم بالفطرة، عليم بنوازع النفوس، طبيب لأمراض القلوب، يطيل الخلوة ويحسن الصمت، ويغترف من النور الربانى قبل أن يبدأ حركته الإصلاحية، فتنجذب القلوب إليه كمغناطيس سماوى، وتبدأ عملية الإصلاح الصوفى التى تأخرت قرونا. يقرر أن الصوفية ما هى إلا تعمق فى الجانب الروحى، وزهد وذكر وسكينة وتربية خلقية وإرشاد روحى، أما الموالد والمقابر وخوارق الشيوخ فيخلعها بلا تردد، مثلما يخلع الإنسان العاقل نعله القديم.



المصدر : المصري اليوم