بدون عنوان - د. عمرو الشوبكي


 
هذا كان عنوان رسالة ابن السيد/عبدالحميد أحمد متولى، الذى روى قصة اختفاء والده بصورة أعادتنا إلى أجواء أسوأ مما كان عليه الحال قبل ثورة ٢٥ يناير، لأن أحد أطرافها هذه المرة هو الشرطة العسكرية، التى لم تكن طرفا فى هذا النوع من القضايا قبل الثورة، وكان أمن الدولة هو الجهة «المختصة» بالقيام بكل القضايا الخارجة على القانون.
وتبدأ القصة بأن والد هذا الشاب ....والذى يبلغ من العمر ٦١ عاما اشترى قطعة أرض قبل الثورة بمنطقة اسمها «سهل الطينة» ببورسعيد استولى عليها «ضابط كبير» برتبة عميد فى الإدارة العامة لجهاز أمن الدولة بلاظوغلى بالبلطجة المعروفة، تقدم على أثرها الرجل بأكثر من بلاغ ضد العميد المعتدى على أرضه ولم يصل إلى شىء، وكان الرد دائما «خلى الشكاوى تنفعك» وكثيرا ما استمع هو وأسرته إلى نص المحضر الذى قدمه على الهاتف بطريقة فيها من الصلف وقلة الأدب لم تكن غريبة على سلوكيات العهد البائد.
وبعد الثورة تحمس الرجل من أجل استعادة حقوقه المسلوبة، فتقدم فى ٤/٤/٢٠١١ ببلاغ بالواقعة فى سرية ٢٨ شرطة عسكرية بالحى العاشر بالقاهرة، أملا فى أن يستعيد حقه من خلال الجهة، التى ائتمنها الشعب المصرى على قيادة المرحلة الانتقالية.
وفوجئت الأسرة بعودة التهديدات مرة أخرى، وذهب الأستاذ عبدالحميد يوم الخميس ١٨/٨/٢٠١١ إلى الشرطة العسكرية ليتابع قضيته، ولكنه لم يعد لبيته حتى الآن، وأغلق هاتفه المحمول، وذهبت أسرته تبحث عنه فى أقسام الشرطة والمستشفيات وحتى المشارح دون أى نتيجة.
والصادم فى هذه القصة أن الرجل قد اختفى بعد أن ذهب إلى الجهة التى وثق فيها وائتمنها على قضيته واعتبر أنها قادرة على أن تعيد له حقه المسلوب، خاصة أنها قضية ليست فيها بلطجة ولا سياسة حتى تبرر الشرطة العسكرية الإحالات المرفوضة للمدنيين أمام المحاكم العسكرية.
نحن بالتأكيد أمام حكاية «مباركية» بامتياز، لأنها تعيدنا لنفس الطريقة التى سحق فيها المطالبون بحقوقهم المدنية والقانونية (وليس فقط السياسية) أمام جبروت السلطة، فكثيرا ما شهدنا حوادث تعرض لها مواطنون بسطاء على باب الله اعتقلوا وعذبوا، لأنهم تشاجروا مع ابن مسؤول كبير أو «تجرأوا» على المطالبة بحق مسلوب أو أوقعهم حظهم العاثر فى طريق باشا من الداخلية أو من لصوص الحزب الوطنى، فتكون النتيجة تعذيباً واختفاء قسرياً وأحيانا موتاً بدم بارد.
ولكن أن يحدث ذلك بعد الثورة وعقب ذهابه إلى سرية شرطة عسكرية، فهذا أمر صادم وكارثى ويفقد الكثيرين الثقة فى البديهيات، التى قامت عليها العلاقة بين الشعب والجيش، فلا يمكن أن يتخيل أحد اختفاء مواطن مصرى حاول أن يأخذ حقه بالطرق القانونية عن طريق القوات المسلحة، فتكون النتيجة كما قال نجله إنه إما عند الجيش أو اختطفه ضابط أمن الدولة.
نحن فى انتظار إجابة قاطعة من الجهة التى مازلنا نحترمها حتى لو اختلفنا معها، ممثلة فى قادة المجلس العسكرى: أين ذهب عبدالحميد أحمد متولى؟ وكيف يمكن أن يختفى مواطن مصرى ذهب، مطالبا جيشه بأن يعيد له حقه المسلوب بالقانون، فيختفى دون أن يترك أى أثر؟!


المصدر : المصري اليوم