أوراقى القديمة (2) - د. أيمن الجندي

 
  ( فبراير ٢٠٠٤): بواب بردان! ما الجديد فى ذلك؟ الجديد أن بواب العمارة فى السجن حالياً. والممتع إنها قضية آداب. ضبطوا الوغد فى عمارة مقابلة خالية. ولحظه التعس جاءت كبسة الآداب فى هذا الوقت، فقبضوا عليه وأخذ شهراً حبساً يقضيه حاليا.
تؤكد زوجته أنه كان يسترد جهاز الكاسيت الخاص به وقت الكبسة. وزوجته الصابرة الطيبة هى من تبحث له عن ملابس ثقيلة يجود بها أصحاب الخير لتقيه رطوبة السجن.
وتطوعتُ أنا بسؤال بعض الزملاء عن ملابس وأغطية، والطريف هو تلك الآراء التى سمعتها من زملائى. لا أحد طبعا يصدق كون الرجل مظلوما، ربما لأن الفضائح لذيذة. وعلى كل حال فهم لا يريدون لملابسهم الطاهرة أن تذهب إلى رجل نجس. وحينما أبديت دهشتى من المنطق قالوا إنه يستحق الرجم. فأحنيت رأسى امتثالا وقلت أدفئوه أولا.
ولا يخطر على بالى - ولو لثانية - أن أهوّن من جريمة الزنى، لو كانت قد وقعت فعلا. فطالما فكرت أن صرامة العقاب تُنبئ بفداحة الخطب عند الخالق العظيم. ولكن عقوبة الزنى الفادحة وُضعت لها مقاييس صارمة أقرب إلى الاستحالة فى التطبيق إلا فى حالتين: أن تتم الممارسة على قارعة الطريق، بحيث يتمكن أربعة شهود من وصف التفاصيل الدقيقة. أو يكون راغباً فى التطهر.
والنبى لم يحاول قط تعقب الزناة
، بل كان يُعرض عمن يجىء معترفا بالإثم، مانحا إياه الفرصة تلو الفرصة للتراجع. وفى الشريعة الغراء يعتبر فرار الزانى من العقوبة نكوصا عن الاعتراف، وبالتالى يُترك وشأنه.
إلى هذا الحد بلغت رحمة الشريعة. أما قسوتنا فبلغت الرغبة فى تركه يتعذب من البرد، رغم أن التهمة غير ثابتة. وأود أن أتساءل هنا - وهذا بيت القصيد والهدف من المقال - عن طهارتنا المزعومة نحن القديسين والملائكة، الذين نرفرف فى السماء من فرط السمو الروحى والالتزام الأخلاقى؟ هل هى طهارة حقيقية أم مزعومة؟ إننى أتساءل عما فعله الجميع فى الغرف المغلقة؟
ومباحث الآداب مشكورة على همتها ولكنها ستكون مشكورة أكثر لو بلغت همتها قصور المسؤولين وفلل الفنانين ومساكن الصفوة. حيث يتحول الجنس الغليظ إلى ممارسة الحب، والدعارة إلى صداقة، والانحلال إلى فن.
آه من المعايير المزدوجة التى نتعامل بها مع أنفسنا تارة، ومع الأغنياء تارة، ومع الفقراء تارة أخرى. كيف يجرؤ الواحد منا على إدانة الخاطئين وقلبه آثم ويداه ملوثتان وعيناه فاجرتان.
وإذا كنا جميعا أطهارا فمن أين يأتى اللصوص والفاسدون؟ أيكون الاعتراف بالذنب شيئاً نادراً ولذلك أقسم به الله تعالى (ولا أقسم بالنفس اللوّامة).
.................
وبينما أنا فى الطريق وهذه الأفكار تصطخب فى رأسى إذا بى أرى امرأة مسنة يبدو عليها الفقر الصارخ، فأخرجتُ مبلغا ماليا صغيرا على سبيل الحسنة. فإذا بها ترفض فى إباء غريب وتقول لى فى حنان إنها لا تقبل إحسانا، فهى بحمد الله غير محتاجة. ورغم توسلاتى العديدة رفضتْ ومضتْ. وأدهشنى صفاء قلبها. أدهشنى.. وأخجلنى.



المصدر : المصري اليوم